16 يوليو 2025

التعلق المرضي والتعامل السليم معه

blog

التعلق المرضي أحد أبرز المفاهيم التي كثر الحديث عنها، وله العديد من الـتأثيرات الخطيرة على حياة الإنسان، ولكن إذا أردت أن أختصره بعبارة واحدة فيمكنني أن أقول: "إذا أردت أن تُبعد شيء ما عنك، وتجعله يختفي من حياتك، وتفقد متعتك به حتى وإن وُجِد، تعلّق به!"

جملة قد تبدو للوهلة الأولى غريبة، ولكن استمع معي لهذه القصة وستدركها بشكل مختلف..

التعلق المرضي

الشاعر العربي جميل بن معمر وبثينة بنت حيان نشأا في قبيلة بني عذرة التي تحكمها الأعراف والتقاليد الصارمة، وتعلّقا ببعضهما منذ الطفولة. لكن حين تقدّم جميل لخطبتها، رفضه والدها لا لعيب فيه، بل لأن الحب قبل الزواج كان عارًا في عرف القبيلة. زُوّجَت بثينة من رجل آخر، لكن التعلق بينهما لم ينتهِ، بل ازداد، فكانا يلتقيان سرًا رغم الخطر. لاحقه أهلها وهدده الوالي مروان بقطع لسانه إن استمر في شعره عنها، لكنه لم يستطع التوقف.

هرب جميل حفاظًا على حياته، وحاولوا تزويجه لينسى بثينة، لكنه ظل وفيًّا لتعلقه بها، رافضًا كل بديل. وبعد غياب طويل عاد لرؤيتها خفية، فالتقيا لقاءً أخيرًا بكيا فيه الحب والفراق، ثم افترقا دون وداع. غادر إلى مصر محطم القلب، ولم يحتمل الفقد، فمرض ومات هناك..

يتغنى الكثيرون بهذه القصة ويرونها رمزًا للحب والوفاء، لكن عند التأمل فيها بعمق، تتجلى حقيقتها كدليل قوي على الآثار المدمرة للتعلق المرضي المفرط، كتعلق الأهل بعادات قاسية غير منطقية، وتعلق الأشخاص المرضي ببعضهما البعض، وكيف يمكن أن يتحوّل إلى مصدر للمعاناة المؤلمة. وفي هذا المقال، سنتعرف أكثر على مفهوم التعلق المرضي وكيفية التعامل معه بشكل صحيح.

ما هو التعلق المرضي

لنعرف كيف يمكننا التعامل مع التعلق المرضي يجب في البداية أن نعرف ما هو التعلق

التعلق ببساطة هو أن أعلّق هدف على وسيلة، وأرى أنه لا يمكنني أن أصل إلى هذا الهدف إلّا بهذه الوسيلة!

وما سيحصل في هذه الحالة هو أن كل ما ستحصل عليه هو ما سيبعدك أكثر عن هذه الوسيلة التي ترغب بها بشدة، وهنا تكمن خطورة التعلق المرضي.

اسباب التعلق المرضي

الإنسان مكوَّن من نفس وجسد وكل منهما بحاجة إلى شحن، يحدث الخلل عندما يبدأ الإنسان بشحن النفس من ارتباطه بالماديات فقط، عندها يرى قيمته من خلال هذه الماديات ويتعلّق بها ليشعر بهذه القيمة، فقد يشعر بأنه بلا قيمة حتى يدخل جامعة معينة، أو يتزوج شخص معين، أو يصل لمنصب وظيفي معين..

فيتعلق به ظنًا منه بأن السعادة والراحة والسكون الذين يبحث عنهم موجودين هنا..

لماذا يُعتبر التعلق خاطئ؟

قد يبدو مفهوم التعلق مبهمًا في بعض الأحيان، فقد يتساءل البعض: "ما المشكلة في أن أرغب بشدة في تحقيق هدفي؟ أليس هذا يعني أنني أجذبه وأقربه مني أكثر؟" وهنا من المهم إدراك فرق جوهري: أن تكون لديك رغبة قوية في تحقيق شيء ما هو أمر طبيعي وصحي، بل إنه دافع أساسي يساعدك على السعي بقوة نحو أهدافك. ولكن المشكلة تبدأ عندما تربط قيمتك الذاتية بهذا الشيء، وتشعر أن حياتك ستفقد معناها إن لم تحصل عليه. في هذه الحالة، لا يكون الأمر مجرد طموح أو رغبة، بل يتحول إلى تعلق مرضي قد يعوقك بدلًا من أن يدفعك للأمام.

كلما كنت متعلقا، معناها أنك في العمق ترى نفسك أقل من هذا الشيء، وأنه هو الذي سيصنعك، ولهذا يكون من الصعوبة الحصول على ما تتعلق به لأنكما على مستويان مختلفان

درجات التعلق

للتعلق 3 درجات أساسية:

1- الدرجة البسيطة: هنا يعلّق الشخص سعادته ومتعته على شيء ما.

2- الدرجة المتوسطة: هنا يعلّق الشخص أمانه على شيء ما.

3- الدرجة المتقدمة: تكون بدمج الدرجتين السابقتين، أي أن الشخص يعلق سعادته ومتعته وأمانه على شيء ما، وهي أسوأ درجات التعلق.

أي تعلق بمصدر فإنه سيتعبك ويسبب لك الألم والمعاناة، فالتعلّق يجب أن يكون بمصدر كل الطاقات في الكون، مصدر لا يزول ولا يفنى، مصدر قادر على إعطائك كل ما ترغب به وهو الله سبحانه. ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ (الطلاق: 3)

فأي تعلق بأي مصدر آخر غيره كن على ثقة بأنه سيكون مصدر لتعاستك، لذلك منذ هذه اللحظة ابدأ السعي لكي تجعل وجهتك دومًا لله سبحانه ولا تربط أي سعادة أو متعة أو أمان أو أي مشاعر أخرى بأي مصدر آخر غيره هو.

ولكن هنا قد يتبادر إلى ذهن البعض سؤال منتشر جدًا وهو، ما الفرق بين الحب والتعلق ؟

الفرق بين الحب والتعلق

لمعرفة نوعية العلاقة التي تمر بها، قم بإجراء اختبار الحب والتعلق التالي، وامنح نفسك درجة واحدة عن كل نقطة تشعر بأنها تنطبق عليك في جانب التعلق، عندها ستقيّم وضعك الحالي ومن ثم ستعيد مراجعة النقاط بعد العمل على نسف التعلق حتى ترى مدى تقدّمك..

  • المصدر: الحب نابع من الامتلاء الداخلي، بينما التعلق نابع من الشعور بالنقص والاحتياج.

  • التأثير: الحب يمنح الحرية والاستقلالية، بينما التعلق يسبب الخوف والقلق من الفقد.

  • السعادة: في الحب، يكون الشخص سعيدًا مع أو بدون الطرف الآخر، بينما في التعلق تكون السعادة مشروطة بوجود الآخر.

  • التعامل مع الطرف الآخر: الحب يقوم على التقدير والاحترام، بينما التعلق قد يؤدي إلى السيطرة والتملّك.

  • النتيجة: الحب يساعد على النمو والتطوّر، بينما التعلق يسبب التوتر والضغوط العاطفية.

علاج التعلق المرضي

بعد أن تعرّفت على التعلق بشكل أعمق، وأجربت اختبار الحب والتعلق لتعرف مدى تأثر علاقتك به، الآن حان الوقت لتتعامل مع هذا التعلق بالشكل الصحيح، لتُنهي تأثيره السلبي على حياتك، وتستمتع بعلاقات صحية جميلة مليئة بالمودة والحب الحقيقي..

1- اجلس في مكان هادئ وأحضر ورقة وقلم.

2- اسأل نفسك ما هي المشاعر التي يضيفها هذا الشخص أو هذا الشيء لحياتي؟

3- درّب نفسك تدريجيًا على تقليل التعامل مع هذا الشيء أو الشخص مع الحفاظ على مشاعرك سعيد مستمتع، وحاول أن تحصل على نفس المشاعر التي كتبتها في الخطوة الثانية بطرق أخرى بديلة.

4- تخيّل أن حياتك لن يوجد فيها بعد الآن هذا الشخص أو الشيء، واسمح لكل المشاعر بأن تخرج بكل حرية.

5- انتبه في هذه الخطوة لطبيعة البكاء والمشاعر التي تخرج، واحرص على أن تكون بكاء بنية التفريغ وليس برفض وعدم تقبّل لما تشعر به.

6- ذكّر نفسك بأن الله أكبر من هذا الشيء أو هذا الشخص وبأنه هو مصدر كل المشاعر التي تبحث عنها.

7- تخيّل العكس تمامًا، وبأنك حصلت على هذا الشيء بأفضل شكل ممكن، وبأنك تعيش مستمتع معه، وتتذوّق أروع المشاعر، وأيضًا اسمح لكل المشاعر الإيجابية بأن تخرج بحرية.

عندما تقوم بهذا التمرين بانتظام، سيبدأ عقلك بالتعامل مع الموقف بحياد أكبر بعد أن اعتاد على تقبّل الضدّين والعيش مع كليهما بسلام..

نصائح ملهمة مماثلة